الاخبارمميز

تحليل مثير عن علاقة انتهاء حرب اليمن واندلاع حرب السودان

436views

يمكن تلخيص المشهد الحالي في المنطقة العربية في بضع كلمات، انتهت الحرب الدموية في اليمن، او اوشكت على الانتهاء وبدأت الحرب في السودان.

ومن المفارقة ان ما يفصل بين البلدين هو البحر الأحمر والقاسم المشترك في هاتين الحربين، انهما حربان “بالإنابة”، تلعب التدخلات الإقليمية (الخليجية تحديدا) والدولية، الدور الأكبر فيهما.

نشرح أكثر ونقول ان انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي اتصل هاتفيا بنظيريه السعودي والاماراتي طالبا منهما لعب دور كبير من اجل التهدئة في السودان، وإيقاف هذه الحرب التي انفجرت يوم السبت الماضي بين الحليفين اللدودين، أي الفريق ركن عبد الفتاح البرهان وخصمه الفريق ركن أيضا ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي) الذي حصل على هذه المرتبة العسكرية العالية جدا دون ان يتخرج من أي جامعة مدنية او كلية عسكرية، ولكنه يملك مؤهلات عليا في العمل الميداني على الأرض.

ويتزعم ميليشيا (الدعم السريع) المعروفة بخبراتها العسكرية والميدانية (حرب دافور) في القتل والقمع، وينخرط فيها اكثر من مئة الف مقاتل، ويتربع قائدها (حميدتي) على تلال من الذهب المسروق.
***
هناك مؤشرات يمكن ان تحدد خريطة وهوية الأطراف الداخلية المتقاتلة على السلطة في السودان، والأطراف الخارجية الداعمة لها، إقليمية كانت او عربية او دولية:

أولا: اقتحام قوات الدعم السريع لقاعدة عسكرية تتواجد فيها قوات مصرية (قاعدة مروى) والاعتداء على الجنود المصريين، واخذ اعداد كبيرة منهم كأسرى يوحي بأن السلطات المصرية متهمة بدعم الرئيس عبد الفتاح البرهان والجيش السوداني الذي يتزعمه.

ثانيا: العلاقات القوية التي تربط بين “الفريق” حميدتي المهيمن على تجارة الذهب السودانية ومناجمه، مع مجموعة فاغنر الروسية وممارسة أمريكا ضغوطا على الرئيس البرهان لطرد هذه المجموعة من السودان، بحجة انها، أي مجموعة فاغنر، الشريكة في التنقيب عن الذهب وتجارته ليس في السودان فقط، وانما في دول افريقية مجاورة أيضا، تمول من خلالها الحرب الروسية في أوكرانيا، وتشكل رأس حربة للنفوذ الروسي في افريقيا وقرنها، وتمهد لإقامة قاعدة روسية على البحر الأحمر.

ثالثا: تلعب دولة الامارات دورا استثماريا هو الاضخم في السودان، واشترت قبل أيام ما قيمته مليار ونصف المليار دولار من الذهب السوداني الذي يسيطر عليه “الجنرال” حميدتي، علاوة على ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية مما يؤكد وجود علاقة قوية بين الجانبين، وربما يفيد التذكير بأن قوات الدعم السريع “الحميدتية” كانت الوحيدة التي قاتلت الى جانب الامارات والسعودية في حرب اليمن بإرسالها الآلاف من مقاتليها.

رابعا: الموقف السعودي يتسم حتى الآن بالغموض ويتأرجح بين المعسكرين المتقاتلين، وما يزيد من هذا الغموض، ان العلاقات السعودية “ليست جيدة” مع كل من مصر والامارات الداعمين الرئيسيين لطرفي الصراع حتى الآن.

وكان لافتا ان الامارات أرسلت الدكتور أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيسها الشيخ محمد بن زايد، وليس وزير خارجيتها الشيخ عبد الله بن زايد للمشاركة في اجتماع وزراء الخارجية الذي انعقد في جدة الجمعة الماضي، بدعوة من الامير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للمملكة، لبحث عودة سورية الى الجامعة والعمل العربي المشترك، اما علاقات مصر مع السعودية ليست في أفضل احوالها، فزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخاطفة الرمضانية لجدة لم تحقق معظم أهدافها في الحصول على دعم مالي سعودي سريع مثلما كشفت العديد من التسريبات الاخبارية، وربما يقف هذا الحياد السعودي “الغامض” حتى الآن وراء دفع قيادتها لدعوة كل من البرهان وحميدتي الى الرياض للانخراط في مفاوضات لوقف الحرب.

الوقائع النظرية على الأرض تقول ان الجيش السوداني الرسمي الذي يحتل المرتبة 75 على قائمة اقوى الجيوش عالميا حيث يبلغ تعداد قواته 205 آلاف جندي ويملك 191 طائرة حربية (قديمة)، و170 دبابة، ترجح كفته في حسم هذه الحرب لصالحه، وهزيمة قوات خمصه ونائبه المتمرد حميدتي، ولكن الوقائع النظرية شيء، والتطورات الميدانية شيء آخر مختلف تماما في ظل التدخلات الخارجية المتصاعدة.

هذه الحرب لا يمكن ان تنتهي الا بانتصار طرف على الآخر وسحقه، وليس بالوساطات والبيانات الانشائية التي تطالب بوقفها فورا، وكل المؤشرات تقول بأنها قد تطول وتتحول الى حرب أهلية او مناطقية تؤدي الى فوضى السلاح في البلاد.

فاذا كانت حرب اليمن التي كان من المفترض ان تحسم في ثلاثة أشهر استمرت ثماني سنوات، والحرب الاهلية اللبنانية طالت لـ 15 عاما، فكم عام قد تستمر الحرب الاهلية السودانية اذا اشتعل فتيلها.
***

نحن لا نتمنى ان تطول هذه الحرب التي أدت حتى الآن الى مقتل مئة شخص واصابة المئات نسبة كبيرة منهم من المدنيين، ونأمل ان يتم التوصل الى وقف سريع لوقف القتال، ولكن ما يقلقنا، ويصيبنا بالتشاؤم، هذه التدخلات الخارجية التي تآمرت لتفجير هذه الحرب، وتصعيد الخلافات بين طرفيها، وصبت، وما زالت، البنزين على نارها.

الظاهرة الإيجابية الوحيدة التي ربما يمكن رصدها من بين اكوام الانباء المتضاربة عن سير الحرب، ان الشعب السوداني الطيب لا يدعم أيا من طرفيها، لانه يعتبرهما مسؤولين عن حالة الإنيهار الاقتصادي، وانعدام الأمن والاستقرار، وتفاقم الجوع في البلاد (ثلث السودانيين تحت خط الجوع حسب برنامج الغذاء العالمي)، والاهم من ذلك اجهاض اتفاق نقل السلطة الى القوى المدنية التي خاضت الثورة على النظام العسكريـ وانقلاباته المتعددة الرؤوس.

السودان، ونقولها بكل حسرة، بات ضحية مؤامرة كبيرة، مفتوحة نتائجها على كل الاحتمالات، ابتداء من التفكيك وانتهاء بالحرب الاهلية، ولا نتردد مطلقا في إتهام مؤسسته العسكرية المخترقة بلعب دور كبير في إيقاعه في هذه الكارثة بسبب صراع جنرالاتها وقياداتها على السلطة، من منطلقات ذاتية، ودون أي إعتبار لوحدة البلاد الترابية ومصالح شعبها في الحد الأدنى من العيش الكريم.

هذه هي نتائج التطبيع والخدعة الامريكية الكبرى التي وعدت الشعب السوداني بالرخاء والمن والسلوى اذا ما صافح برهانه بنيامين نتنياهو، وذهب حميدتي الى تل ابيب زاحفا ومتوجا لها كدولة صديقة ستخرج السودان من جميع ازماته.

ما نخشاه أيضا ان يكون الهدف من حرب الجنرالات السودانية هذه هو مصر وجيشها وشعبها وأمنها المائي، وجرها الى حرب استنزاف قد تؤدي الى اشغالها عن الملء الرابع لسد النهضة الاثيوبي، وبما يؤدي الى تجويع خمسة ملايين من فلاحيها.
باختصار شديد نحن امام كارثة كبرى جديدة لا نتردد في اتهام وقوف أمريكا ودولة الاحتلال خلفها، وتواطؤ أنظمة عربية فيها بقصد او بدونه.. والقادم أعظم.

عبد الباري عطوان

ليصلك كل جديد انضم لقروب الواتس آب

Leave a Response

16 − أربعة عشر =